...ينبغي أن نتذكر دائما أن الإنترنت هي وسيلة للاتصال، إذ يُمكنك عن طريقها إرسال الرسائل ومحاورة الآخرين وعرض أفكارك وآرائك والاطلاع على أفكار الآخرين وآرائهم، فهي وسيلة للتفاعل والتعامل بين الأشخاص والمؤسسات والهيئات المختلفة. وعند استخدام أي وسيلة اتصال، ينبغي الالتزام بمجموعة من الأخلاق والآداب العامة. ومن هذا المنطلق، جاء مفهوم آداب الإنترنت.لا بد أن نحاول فهم أبعاد وتأثيرات هذه الأداة التي أصبحت متاحة جدا أمامنا، وأصبح الكثيرون يستخدمونها، وأصبحت هي الملاذ الوحيد للبعض فصار لزامًا أن نتعلم "أخلاقيات وفقه الإنترنت" بالمعنى الواسع للمعرفة، وليس من الناحية الشرعية فحسب، ويبدو أن الشات (غرف الدردشة الإلكترونية) ستظل عنصرًا مغريًا وجذابًا، وأنها تلتهم وقتًا هائلاً دون عائد يوازي هذا الوقت الذي ينفقه الإنسان فيها ما لم يكن محدد الهدف، ومؤقت المدى.
إن غياب المعرفة أو الثقافة الواسعة يجعل من الدردشة التي تجري في معظم الغرف الإلكترونية العربية عبارة عن لغو فارغ أو معاكسات، أو شتائم متبادلة، ولا يكون تبادل الحديث نافعًا إلا إذا كانت لدى أطرافه من المعرفة أقدار كافية بحيث يكون النقاش مفيدًا.
وأعتقد أن بيننا وبين هذا شوطا كبيرا؛ لأن أغلبنا لم يتزود بالثقافة أو المعرفة، فليست تلك الأمور متاحة في مناهج التعليم النظامي، وليست هي المادة المتوافرة في أغلب برامج الإعلام، ولم تعد القراءة –للأسف الشديد في هذا العصر بالذات- مصدرًا معتبرًا لدى كثير من شبابنا في الحصول على المعلومات، وتداول الأفكار.
ومن المقلق حقا وجود بعض المواقع التي تحتوي على أفكار مسمومة تشكك في العقيدة، أو تغالط في التاريخ، وأشفق على من تتاح أمامه هذه المواد دون أن تكون لديه أدنى خلفية عن تلك القضايا!!
فكيف إذن نتفاعل مع هذه المتغيرات؟ وكيف نتعامل مع هذه التحديات؟!
التأثيرات السلبية على الأخلاق
هناك تأثيرات سلبية عديدة لتكنولوجيا المعلومات على الأخلاق وسلوكيات الإنسان، نذكر بينها الآثار السلبية التالية:
- على أخلاق النشء:
لقد تعاظم أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على أخلاق النشء. وتفيد الإحصاءات بأن 63% من المراهقين المرتادين للمواقع الجنسية؛ لا يدري أولياء أمورهم طبيعة ما يتصفحونه على الإنترنت، علما بأن أكثر مرتادي المواد الإباحية تتراوح أعمارهم ما بين 12 و17 سنة. وللأسف، تمثل الصفحات الإباحية أكثر فئات صفحات الإنترنت بحثا وطلبا بلا منافس؛ وتصيب هذه المواقع النشء بانفصام في نظرتهم للقيم. فما يعد عيبا وحراما في أسرتهم؛ يجدونه مباحا في مثل هذه المواقع.
- على فتور العلاقة الإنسانية:
إدمان الوسائل الإباحية التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يجر تبعات أسرية وخيمة كتفكك الروابط الزوجية، وضعف قدرة الرجل في علاقته مع زوجته، وتفشي الزنا، وعواقب أسرية واجتماعية غير حميدة مشابهة.
كما تسببت المواقع الإباحية التي تعرض الممارسة الجنسية بصورة علنية في عزوف بعض الرجال عن الحلال وإدمانهم للحرام؛ فكم من رجل ترك زوجته واكتفى بمشاهدة هذه المواقع الإباحية.
- على ارتفاع معدلات الجريمة:
إن السمة الموحدة لمقترفي القتل الجماعي هي كونهم غالبا ما يقدمون على جرائمهم لأسباب جنسية في بادئ الأمر. ثم تتطور عملياتهم الإجرامية بعد حين من إدمان الجنس إلى التعذيب والقتل وفعل الفاحشة في جثث الأموات وغير ذلك من الجرائم المريعة.
إن الذين يروجون الوسائل الإباحية غالبا ما تكون لهم علاقات وطيدة بالجريمة المنظمة، كما يدعون إلى تفشي جرائم أخرى.
- في ترويج تجارة الجنس:
لقد لاحظ تجار الدعارة عوامل التخفي والتستر داخل شبكة الإنترنت فأصبح من اللازم لديهم إيجاد طرق لتوصيل هذه المواد إلى منازل الناس بطريقة مباشرة وخفية. ومن هذا المنطلق تمت الاستفادة من البث المباشر والهاتف وشبكة الإنترنت. وقد تمثل شبكة الإنترنت في الوقت الحاضر أكثر هذه الطرق نجاحا في هذا الصدد، حيث إن صفحات النسيج العالمي المتعلقة بالدعارة تمثل –بلا منافس- أشد الصفحات إقبالا في كل العالم… إلخ.
- تسليع المرأة:
إن المشاهد للإعلانات التي تبثها محطات التلفزة العربية تخاطب الغرائز والعواطف ربما بنسبة تصل إلى 100% في بعض المحطات التلفزيونية، وقد تكون أقل من ذلك في بعض المحطات الأخرى؛ أي أن لكل محطة معايير وأسسا وإن اتفقوا جميعا في السعي نحو الإعلان بشكل عاطفي لاعتباره مصدر الدخل الأول بالنسبة لهم. ولكن تكمن مشكلة المشاهد العربي في أن عليه أن يتلقى فقط، فليس له دور فعال لكي يؤثر على طبيعة الإعلان الذي تبثه الوسائل الإعلامية وخاصة التلفزيون.
وربما تكون هذه السلبية من المشاهد العربي دافعا قويا للمحطات التلفزيونية لتقديم المزيد من الإعلانات التي لا ترقى إلى عقل المشاهد واحترام عاداته وتقاليده. لكن المشاهد العربي مغلوب على أمره، فالإعلام يؤثر فيه أكثر مما يتأثر به؛ وهذا ما يدفع الإنسان إلى محاولة انتقاء المواد التي يشاهدها داخل المنزل للحفاظ على تقاليد وعادات الأسرة.
إن الإعلانات التلفزيونية وخاصة في الفضائيات تخاطب العواطف والغرائز أكثر من مخاطبة العقول، وهنا تكمن المشكلة أن غالبية الإعلانات التي تُبث لا تتفق مع العادات والتقاليد والقيم السائدة في المجتمع.
و أختم القول ببيت شعر( الكثير منا يحفظه و لكن القليل القليل منا يطبقه) :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت **** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
منقول (بتصرّف)
نغم لبنان