منتديات اهل البيت(ع)
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى اسلامي خاص بمذهب اهل البيت عليهم السلام
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ماتؤمر يا ولدي..

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
haidarymahd
مشرف المنتدى ألأسلامي ألعام
haidarymahd


عدد الرسائل : 270
العمر : 48
ألبلد : ارض اللقاء لبنان-قطر
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 26/08/2007

ماتؤمر يا ولدي.. Empty
مُساهمةموضوع: ماتؤمر يا ولدي..   ماتؤمر يا ولدي.. Emptyالأربعاء مايو 14, 2008 11:44 am



ماتؤمر يا ولدي.. 1160779156

( إلى كل والد قدم أولاده إلى مذبح الشهادة و كان من الصابرين ..
إلى " أبي موسى " مع الاعتذار .. )

بسم الله الرحمن الرحيم
( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) - سورة الصافات : الآية 102
ازر تعبك يا أبا موسى بين أتلام التراب ، و اجعل اناملك المحفور عليها تعب السنين وشاحاً حريرياً ، يمر على طرابين الزهر يدثرها بالسكينة .. حتى أريج الزهر يحن إليك ، كما الماء ، و الهواء في فلاء عمرك .. سيثمر عمرك بما زرعته ، ما كان حرثك للمياه ، و هذا الزمن شاهد عليك .

لطالما كنت رساماً بارعاً لكل شيء ، فتقاسيم وجهك تعكس شفافية لوحاتك على جدار الحياة .. عيناك تريان شروق رفع نقاب عن وجه الحبيبة ، و يداك تجمعان ، ندى الصبح عن وريقات الشجر لتذرها لؤلؤاً على أكف التراب ، و حين تنتهي من حرث أرضك ، تستلقي على الرمل ناظراً نحو السماء لتحفظ لونها في بريق عينيك حرية و أملاً ..

ما مر يوم إلا لامست وجه الأرض بمحراثك ، و لونته حبوباً و شتولاً و حباً ، و بقيت رائحة تعبك ساكنة في أعماقها بئراً من الذكريات ، حفظتها كما أنت .. أحببتها فأعطيتها كل شيء ، تعبك و سنين عمرك .حتى أحباؤك الذين عشت زمانك معهم ، غادروك إليها ، ليسكنوا و يطمئنوا بعد أن أنهكتهم الأيام ..

ذاك الصباح ، حين أتوا بـ " علي " و قد تخضبت قامته بالنجيع و التراب ، أبيت دفنه إلا هنا ، في حنايا هذا الكرم الذي رافق مسيرة حياته ، كنت تريد أن تبقيه قربك ، و أن تشم منه رائحة العمر الذي مضى ، وسّدته في المثوى و كانت دماؤه تزفه عريساً نحو السماء ..

" شهيد البطولة علي " ، هنيئاً يا أبا موسى ، هنيئاً لك و قد أنرت في سماء الأرض كوكباً بساماً .. أنت علمته الصلاة ، و أخواه موسى و حسين علماه السلاح .. حفظ منك قصائد رائعة في حب الأرض ، فكتب أجمل ما يمكن أن يكتب بالصمت ، و ترك صدى وقعته عليها ، و قد فارقت روحه جسده يحكي قصة حب زرعتها فيه : " أنت علمتني أن الأرض عرض .. أنت رويت لي عمن استشهد فداءً للأرض .. صوتك كان آذاناً يوقظني على صلاة الفجر .. تلميذك أنا يا أبا موسى ، وجودي كان ترداد قراءتك للقرآن ، و رحيلي تلبية منك لله .. فسامحني ! .. "

هل كان ذنبك ؟!

هل كان ذنبك ؟! كنت تأتي صباحاً لتجني ثمار حقلك ، و تصحب أولادك الثلاثة معك ، لتراهم يلعبون ، يتسلقون الشجر ، يملأون معك السلال ، يخطون على الأرض أقدامهم جذوع عزة و كبرياء ، ليكونوا المكان الذي يرفض الهوان ، و الذل " أنا أمان الذي يغني للحرية .. هم عشقوا هذا المدى الملون بتجليات عظمة الله .. أحبوا الله ، و أحبوك ، و أحبوا الأرض ، فصار تعلقهم فيها تعلقاً بك ، .. أنت صاحب هذه اللوحات الجميلة ، أنت رسمتها لهم ..
هل كان ذنبك ؟!

و توالت الأيام ، و العشق فيكم يكبر ، و المدى يزداد تلوناً ، إلى أن جاءت شمس - ذات يوم -ألقت نقاب السواد على وجه الحقيقة .. كنت و موسى و حسين و علي في الكرم تقضبون نصوب الزيتون ليزداد كرمها أكثر ، عندما جاءت دورية من " الجيش الإسرائيلي " يرافقهم شخص سهُل عليك معرفته ، قائلاً لهم :

- " هذا هو أبو موسى " ..

فتقدم الضابط نحوك ، و خاطبك بلكنة عربية ثقيلة :

- " إنتَ .. شو تعمل بالجامع ؟؟ "

فأجبته و قد لاحقت عيناك صغارك الذين اختبؤوا على أغصان الشجر : " أصلي لربي .. "

- " ما فيك تصلي ببيتك ؟ جامع فيه مخربين ، و إنت عم تساعد مخربين .. "

- " أنا أزرع أرضي ، و أربي أولادي من أجلها " .

- " انتبه على حالك " أبو موسى " .. "

كانت تلك هي المرة الأولى التي زارك فيها " الإسرائيليون " ، أقنعتهم بأنك لا تساعد المقاومين ، و أنك تربي أولادك ، لكنهم ما فطنوا أبداً كيف و لمن تربيهم ..

بعد شهرين ، زاروك مرة أخرى ، لكن هذه المرة ، في بيتك ، دخلوا دون استئذان ، أرادوا أن يبحثوا عن " المخربين " ، كسروا نصف أثاث المنزل ، و أنت تقف أمام زوجتك صامتاً ، قوياً ، تلمع في ناظريك زرقة السماء الرحبة التي تطير فيها الأماني و الأحلام ، و الحرية و الحب ، هذا لم يستطيعوا أن يكسروه فيك ، الحرية و العنفوان .

- " أنا أربي أولادي من أجل أرضي .. "

ضربوك و أهانوك ، و شوهوا وجه أرضك بقنابلهم .. جعلوا ثمارك خراباً ، و كسروا أغصان أشجارك التي ما انحنت إلا وقد امتلأت بالخيرات ، لكنك ، كعادتك أبا موسى ، بقيت صامتاً ، تقف أمام زوجتك لتحميها من غدرهم ، و أولادك الثلاثة أمامك تضع يديك على كتف اثنين منهم ، أما الثالث فيمسك بالمعول ..

و كبر أولادك ، أحبوا الله فأحبهم ، و أنابوا إليه فهو حاميهم ، اخلصوا له فأعطاهم وو بأظافرهم رسموا وجه الأرض، و من عرقهم شقوا ظمأها ، و بسواعدهم جبروا كسر الشجر الذي قتل زمن الذل تحت جذوره .. هم عضدك عند الشدة و سندك ، هذا جناك يا أبا موسى ، هذا جناك ، و ليس ثماراً تنبتها الفصول ، و ليس أياماً قضيتها تقلب المواسم ..

كبر أولادك في وقت تغير فيه طعم الزمن .. حتى الهواء اذي كان بمخيلتك مفعماً بالصور و الأحاسيس و رائحة الطيون ، صار فارغاً حتى من الحياة .. الخوف يملأ السلال ، و القنابل تحرث الحقول ، و الرصاص يغرد للصباح ..
لكن ، ما عاد أولادك يختبئون على الأغصان .. صارت الأرض تلجأ إليهم ، تتشبث بأقدامهم ، غيرت وجهها لتحتفظ بمداسهم ، أليس هذا حبك ، أبا موسى .. عشقتك الأرض عشقاً ما كان للقلب أن يحده ، ولا للزمان أن يحويه ..
خمسة و ستون عاماً من العشرة يا أبا موسى .. تجلس اليوم على البسيطة غريباً في عالم وحدتك الذي بنيته من جدران تيهك في عشق لا تبصر له أفق .. قضيت سنين حياتك مخلصاً لله ، عابداً له ، أحببت الأرض و بعت عمرك من أجل أبنائك ، فمن تحب أكثر ؟ أيقتلك تفكيرك المبهم الذي تتضارب فيه الذكريات ؟!

أهو " علي " ؟ !

هل هو شوقك إلى وجهه الجميل و هو يساعدك هنا ، و يخبرك النكات و الحكايا ؟ .. هل هو الحنو إلى صوته الرنان في قنوت صلاته و قد افترش التراب للسجود ؟ .. كان يردد أمامك دوماًً : " ما أضيق هذا الكون ! و ما أرحب ذاك القبر ! " ، فتحاول أن تفهم كلماته بأسئلة تطرحها عليه ، ظناً منك أن حديثه جملة وردت في أحد كتب الفلسفة التي يدرسها من الجامعة ، أو لحناً في شعر من القصائد التي يجمعها من الجرائد و المجلات ..

- " ما أضيق هذا الكون ! "

و يشيح بوجهه نحو مكان لا تدركه عين ، و يحس بشيء في داخله يتفجر شوقاً .. كانت المرة الأولى في ذلك اليوم ، التي يتهرب فيها " علي " من مساعدتك ، و لم يمسك بالمعول كعادته ، بل نظر إليك قائلاً :

- أبا موسى .. سأسافر ..

دون مقدمات ، قرر " علي " أن يسافر ..

- تسافر !! إلى أين ؟ و الجامعة ؟ و احتياجات السفر ؟

- لا ، لا يا أبا موسى ، أريد أن أسافر إلى هنا ، إلى حيث المدى لا ينتهي و الروح تحلق في عالم أرحب من هذا الكون الضيّق ..

- علي ، يا حبيب عمري ، أنا لم أتعلم الفلسفة ، كل الذي أعرفه في هذه الدنيا ، ان أرسم وجه الأرض ..

- أنا لا أتحدث عن الفلسفة الآن ، أنا أتحدث عن الرسم الذي تحبه ، لكن هذه المرة ، أريد أن أغيّر الريشة و الألوان ..

و بكيت يومها ، بكيت لأنك حين أمسكت بيديه ، رأيت آثار الجروح عليها و قد برزت بعض حبات من القيح بين أصابعه ، يداه صارتا حقلاً للشوك ، صارتا الأرض .. دفنت وجهك فيهما ليذوب حُباً و ليضيع ملامح خمسة و ستين عاماً .. كنت تعلم أنه لم يذهب الأسبوع الماضي إلى بيروت حيث يتابع دراسته .. أحس قلبك بذلك ، حين رأيته يتحادث و موسى قبل أن يستقل السيارة و الآن صدق ظنك .. " قتلتني جراح كفيك يا علي .. " .

- علي ، موسى و حسين يقومان بواجبهما ، أنا لا أريد أن أمنعك عن أي شيء اخترته برضاك ، لكن انته من درسك ، ثم افعل ما تريد ، لا احتمل جرحك يا حبيب عمري ..

- ثمة جرح في قلبي لن يبرأ أبداً ..

- لكل جرح ضماد ..

- لكن إن كان عميقاً ، تبقى آثاره ملح الذكرى ، فلا نستطيع نسيانه ، أنا لا أؤمن بالنسيان يا أبا موسى .. أنا أؤمن أن الدم هو ضماد القهر و الدمع ..

و مد سبابته بلطف ٍ ليمسح جرحاً على خدك تركته ضربة أحد اليهود حين زاروك ذات مرة في منزلك ..

- لقد نسيت قساوته لأجلكم ..

- لكنه يا أبت ، ما زال ينزف وجعاً في قلبي ، و يغلي حقداً في نفسي ، و يقيد روحي بسلاسل من الذل ، أنا لا أرضاه .. ولا أنتَ ، و لا هذه الأرض ..

و رحل " علي " .. غلب عن وجه أرضك الضيق ليسكن أعماقها في قبر رحب ..

لكن ، هل هدأت ثورة التمرد التي تعصف على تقاسيم أرضك برحيله ؟

أنظر يا أبا موسى ، هنالك ظل قادم إليك ، يخيل لعينيك أنه مارد في قمقم الحياة .. أنظر إليه آتياً يحمل بين جنبيه بشرى واعدة و جنى جديداً .. حدق جيداً لتبصر الكلمات على شفتيه قبل أن يتلفظها ، أو لستَ أنت من علمته ؟!

- موسى ، أراك هنا يا ولدي ؟

- جئت أطمئن عليك ، لم تأخرت ، الجميع ينتظرك في المنزل ..

و قام أبو موسى و قد استند على ساعد ولده ..

- أولادك و أولاد أخيك ؟

- الجميع .. عن المنزل كعادتك ..

- إذاً هذا ينبئني أنك ستغيب أسبوعاً عن المنزل كعادتك ..

- إنه واجبي يا أبت ..

- افعل ما تؤمر يا ولدي ..

- و أنت ، ماذا ترى يا أبا موسى ؟

- أرى هذا المدى صغيراً جداً ، و الهواء يتبخر من أمام أنفاسي كسراب العمر الذي مضى ..

" ما أضيق هذا الكون ! و ما أرحب ذاك القبر ! "



- من كتاب خاتم العرس - نسرين ادريس .










الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عاشقة البتول
عضو مجلس ادارة
عاشقة البتول


عدد الرسائل : 1339
العمر : 34
ألبلد : لبنان
نقاط : 16
تاريخ التسجيل : 22/08/2007

ماتؤمر يا ولدي.. Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماتؤمر يا ولدي..   ماتؤمر يا ولدي.. Emptyالأربعاء مايو 14, 2008 3:45 pm

السلام عليكم


ابدعت في الاختيار

مؤثر جدا ...

جزيت خيرا اخي ....

تحياتي البتولية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نغم المقاومة
مشرفة منتدى البيت والاسرة
نغم المقاومة


عدد الرسائل : 524
العمر : 42
ألبلد : بلد اشرف الناس
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 26/08/2007

ماتؤمر يا ولدي.. Empty
مُساهمةموضوع: رد: ماتؤمر يا ولدي..   ماتؤمر يا ولدي.. Emptyالخميس مايو 15, 2008 4:37 am

تحية لكل والد مجاهد و مقاوم شريف


قصة رائعة

جزاك الله خيرا ابو حيدر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ماتؤمر يا ولدي..
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اهل البيت(ع) :: :*¨`*: القسم السياسي :*¨`*: :: ** منتدى المقاومة و الشهداء**-
انتقل الى: