المغالطة في الرواية:
توهّم: إنَّ هذه الرواية دالّة على أنَّ الإمام الثاني عشر يسلّم الوصيّة إلى ابنٍ له ثلاثة أسماء، فيكون قول النبي صلى الله عليه وآله في هذه الفقرة: (فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوَّل المهديين) بإرجاع الضمير في (إذا حضرته) إلى الإمام الثاني عشر، وكذلك ضمير (ابنه) إلى الإمام الثاني عشر عليه السلام، وأنَّ هذه الثلاثة أسماء هي أسماء لابن الإمام الثاني عشر.
دفع التوهّم:
1 _ وهذا الإرجاع للضمير إلى الإمام الثاني عشر خطأ فاحش في تركيب عبارات الجمل وسياقاتها، فإنَّ الصحيح أنَّ الضمير يرجع إلى الإمام الحادي عشر، الإمام الحسن العسكري عليه السلام، أي إذا حضرت الإمام العسكري عليه السلام الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الإمام الثاني عشر عليه السلام الذي له ثلاثة أسماء وهو الإمام الثاني عشر أوَّل المهديين، والإمام الثاني عشر له ثلاثة أسماء: اسم كاسم النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله، والاسم الآخر عبد الله وأحمد، والثالث وهو اللقب المهدي، وهو الإمام الثاني عشر أوَّل المؤمنين، وفي بعض النسخ: (اسم كاسمي واسم أبيه وهو عبد الله)، وعلى هذه النسخة يكون اسم الإمام الحسن العسكري عليه السلام عبد الله، وسنبيّن وجه كون الإمام الثاني عشر أوَّل المهديين وأوَّل المؤمنين.
ومعنى وصف ومنصب عنوان المهدي لأئمّة الاثني عشر أهل البيت عليهم السلام كمقام خاصّ لمن يقيم دولة محمّد وآل محمّد في الإعلان الظاهر وبنحوٍ تبقى مستمرّة إلى يوم القيامة، كما أنَّ هناك مقام المنتصر أو المنصور للأئمّة الاثني عشر، كما اُشير إلى ذلك في زيارة عاشور الإمام المنصور والإمام المهدي عليه السلام، ولنذكر الشواهد على هذا التفسير:
الشاهد الأوَّل:
ما ورد في عدَّة روايات من الفريقين أنَّ الذي له أسماء ثلاثة هو نفس الإمام الثاني عشر عليه السلام:
1 _ فقد روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الفضل بن شاذان، عن إسماعيل بن عياش، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر المهدي فقال: «إنَّه يبايع بين الركن والمقام، اسمه أحمد وعبد الله والمهدي، فهذه أسماؤه ثلاثتها»([3]).
2 _ فقد روي أنَّه عليه السلام له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، حدَّثنا علي بن أحمد بن موسى ±، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدَّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدَّثنا إسماعيل بن مالك، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود زياد بن المنذر، عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام وهو على المنبر: «يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة، مبدح البطن، عريض الفخذين، عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان: شامة على لون جلده، وشامة على شبه شامة النبيّ صلى الله عليه وآله، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن، فأمَّا الذي يخفى فأحمد، وأمَّا الذي يعلن فمحمّد، إذا هزَّ رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب، و وضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلاَّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد...»([4]).
الشاهد الثاني:
أنَّ عنوان المهدي والمهديّون له تفسير مستفيض بل متواتر في روايات أهل البيت عليهم السلام هو كالأصل في معناه ويراد به الإمام من الأئمّة الاثني عشر عندما يقيم الدولة الظاهرة الممكّنة لدولة آل محمّد عليهم السلام، ومن المستفيض في رواياتهم عليهم السلام أنَّ الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام يرجعون كما هو مقتضى عقيدة الرجعة، ويقيمون دولة آل محمّد عليهم السلام واحداً بعد آخر، وهو مقتضى قوله تعالى: ]وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ[ (القصص: 5).
وهذا الخطاب عامّ لكلّ الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام حتَّى أنَّ الإمام الثاني عشر أيضاً تكون له رجعة.
فالمراد بالمهديين الاثني عشر هم الأئمّة الاثني عشر أنفسهم، فلهم مقام المهدوية بعد تسنّمهم أصل مقام الإمامة من دون دولة ظاهرة معلنة، والحال ذلك حتَّى في الإمام الثاني عشر منذ الوصيّة والإمامة من أبيه الحسن العسكري عليه السلام إلى يوم ظهوره، حينئذٍ يتحقَّق له الوصف الفعلي لمقام المهدي، وإلى هذا المفاد يشير قول النبيّصلى الله عليه وآله في الرواية المزبورة: «فذلك اثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهدياً»، أي بعد إمامة الإمام الثاني عشر وامتدادها في عصر الغيبة يتحقَّق بدؤ إقامة دولة محمّد وآل محمّد عليهم السلام، وأوَّل من يقيمها هو الإمام الثاني عشر، ومن ثَمَّ يكون الإمام الثاني عشر أوَّل المهديين بعد أن كان له أصل مقام الإمامة طيلة فترة الغيبة، وهو أوَّل المؤمنين أيضاً من الأئمّة الاثني عشر الذين وعدهم الله أن يستخلفهم في الأرض بدولة معلنة ويمكّن لهم إقامة الدين حيث يبدلهم بعد الخوف أمناً كما هو نصّ قوله تعالى: ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً[ (النور: 55).
ويتَّضحُ هذا التفسير بشكل مفهم جلي من الروايات الواردة في بيان هذا المعنى لعنوان ووصف المهدي:
1 _ روى في تحف العقول وصيّة الصادق عليه السلام لمؤمن الطاق أبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول في وصيّة طويلة عليه السلام بمراعاة التقيّة والكتمان وعدم الإذاعة: «فلا تعجلوا فوَالله قد قرب هذا الأمر ثلاث مرَّات فأذعتموه، فأخَّره الله»([5]).
ومراده عليه السلام من هذا الأمر أي قيام دولة آل محمّد صلى الله عليه وآله التي تبقى إلى يوم القيامة.
وروى الشيخ الطوسي في الغيبة بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قوله: «يا ثابت إنَّ الله تعالى كان وقَّت هذا الأمر في السبعين، فلمَّا قتل الحسين عليه السلام اشتدَّ غضب الله على أهل الأرض، فأخَّره إلى أربعين ومائة سنة، فحدَّثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السرّ، فأخَّره الله ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتاً...»([6]).
وروى في مختصر بصائر الدرجات بسند صحيح عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال: «إنَّ أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله وعدوا سنة السبعين فلمَّا قتل الحسين عليه السلام غضب الله U على أهل الأرض فأضعف عليهم العذاب، وإنَّ أمرنا كان قد دنى فأذعتموه فأخَّره الله U»([7]).
وروى النعماني في الغيبة بسند موثَّق عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: ما لهذا الأمر أمد ينتهي إليه ويريح أبداننا؟ قال: «بلى، ولكنَّكم أذعتم فأخَّره الله»([8]).
وروى النعماني أيضاً بسنده عن إسحاق بن عمّار الصيرفي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «قد كان لهذا الأمر وقت وكان في سنة أربعين ومائة، فحدَّثتم به وأذعتموه فأخَّره الله U»([9]).
وروى في الموثَّق عن إسحاق بن عمّار، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: «يا أبا إسحاق، إنَّ هذا الأمر قد اُخّر مرَّتين»([10]).
وروى الشيخ الطوسي بسنده عن عثمان النوى، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «كان هذا الأمر فيَّ فأخَّره الله ويفعل بعد ذلك في ذرّيتي ما يشاء»([11]).
والمراد من الأمر في هذه الروايات المستفيضة التي كان قد وقّت من قبل الله تعالى هو ظهور وقيام دولة آل محمّد، الدولة الموعود باستمرارها إلى يوم القيامة يتعاقب الأئمّة الاثنا عشر عليها، ويصطلح في روايات أهل البيت على الإمام الذي يتمّ على يديه بدء إنشاء إقامة هذه الدولة أنَّه المهدي من آل محمّد صلى الله عليه وآله، وإلى هذا تشير الرواية الأخيرة، وهذه الطائفة من الروايات أنَّ مقام المهدي من آل محمّد صلى الله عليه وآله قد قدَّره الله U في السبعين أي إقامة هذه الدولة المستمرة على يد سيّد الشهداء، فلمَّا فرَّط المؤمنون والمسلمون في القيام بالمسؤولية وقتل الحسين عليه السلام اشتدَّ غضب الله على أهل الأرض فأخَّره الله من باب ]يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ[ (الرعد: 39)، لأنَّه لم يكن ذلك التقدير تقدير جبر وإنَّما أمر بين أمرين لسُنّة الله المشار إليها في قوله تعالى: ]لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ[ (الرعد: 11)، فقدَّر الله أن يكون مهدي آل محمّد صلى الله عليه وآله هو الإمام جعفر الصادق عليه السلام، فحصل التفريط مرَّة أخرى فقدَّره الله في الإمام موسى بن جعفر، فوقع التفريط ثالثة فأخَّره الله إلى ما يشاء، ومن ثَمَّ أشارت هذه الطائفة من الروايات أنَّ هذا الأمر قد وقَّته الله ثلاث مرَّات.
وهذا أي التغيير من باب ]يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ[ لا يتنافى مع علم الله الحتمي بمقادير الأمور وأقدارها وحتم إبرامها، ومن ثَمَّ لا تتنافى هذه الروايات مع الروايات الأخرى أنَّ مهدي آل محمّد هو الإمام الثاني عشر.
والحاصل أنَّ هذه الطائفة تعزّز أنَّ المهدوية مقام لأئمّة أهل البيت الاثني عشر هو بلحاظ قيامهم بالدولة المعلنة التي تستمرّ إلى يوم القيامة.
وإلى ذلك يشير قول الأمير عليه السلام فيما رواه الكليني في الكافي بإسناده عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام: «... والمهدي يجعله الله من شاء منّا أهل البيت»([12]).
2 _ ما رواه في مختصر بصائر الدرجات عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: «ألا اُحدّثك ثلاثاً قبل أن يدخل عليَّ وعليك داخل؟»، قلت: بلى! فقال: «أنا عبد الله، أنا دابّة الأرض صدقها وعدلها وأخو نبيّها وأنا عبد الله. ألا اُخبرك بأنف المهدي وعينه؟»، قال: قلت: نعم، فضرب بيده إلى صدره فقال: «أنا»([13]).
وروى أيضاً عن أبي عبد الله الجدلي، قال: دخلت على علي عليه السلام فقال: «اُحدّثك بسبعة أحاديث إلاَّ أن يدخل علينا داخل»، قال: قلت: افعل جُعلت فداك، قال: «أتعرف أنف المهدي وعينه؟»، قال: قلت: أنت يا أمير المؤمنين...»([14]).
وقد وردت روايات مستفيضة بأنَّ أمير المؤمنين عليه السلام هو صاحب الكرّات والرجعات ودولة الدول، ومن ثَمَّ يكون هو المهدي الأكبر من أئمّة أهل البيت كما هو مفاد هاتين الروايتين أنَّه عين المهدي وأنفه حيث تضمَّن تشبيه المهدي بأعضاء جسم بعضها رئيسي مركزي وهو العين والأنف وأنَّ مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بين الأئمّة الاثني عشر في الاتّصاف بوصف المهدي هو موقع العين، وهذا يبيّن أنَّ صدق عنوان المهدي على الأئمّة الاثني عشر هو بتفاوت.
3 _ ما رواه في بصائر الدرجاتعن عبد الله، عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، قال: أخبرنا إسماعيل بن يسار، حدَّثني علي بن جعفر الحضرمي، عن سليم الشامي أنَّه سمع علياً عليه السلام يقول: «إنّي وأوصيائي من ولدي مهديّون كلّنا محدّثون»، فقلت: يا أمير المؤمنين من هم؟ قال: «الحسن والحسين عليهما السلام، ثمّ ابني علي بن الحسين عليه السلام»، قال: وعلي يومئذٍ رضيع، «ثمّ ثمانية من بعده واحداً بعد واحد، وهم الذين أقسم الله بهم فقال: ]وَوالِدٍ وَما وَلَدَ[ [البلد: 3]، أمَّا الوالد فرسول الله صلى الله عليه وآله وما ولد يعني هؤلاء الأوصياء...» الحديث([15]).